مدخل لدراسة الحديث ( ظاهرة الوضع في الحديث الشريف )

0

مدخل لدراسة الحديث ( ظاهرة الوضع في الحديث الشريف )


عدم ظهور وضع الحديث في زمن الصحابة ــ رضوان الله عليهم ــ راجع لكونهم كانوا أبعد الناس عن الكذب على النبي ــ عليه الصلاة والسلام ــ ، وهل يمكن أن يستقيم الكذب لقوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيهم ، وللقتال والتضحية من أجل كتاب ربهم ، جيل فريد لم يجد الزمان بمثلهم ولن يجود ، قال ابن مسعود رضي الله عنه عنهم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ " رواه أحمد بإسناد حسن . 
عن أنس رضي الله عنه 
عن البراء ، قال : " ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدثنا أصحابنا عنه ، كانت تشغلنا عنه رعية الإبل " المسند . وقال الله عز وجل : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وقال سبحانه : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} .. إلى آخر الآية1 ...ولو اردنا أن نحصي فضائلهم لطال بنا المقام .
فقوم هذه صفاتهم وهذا ثناء ربهم عليهم لا يمكن أن يكذبوا على نبيهم ، وقد انعقد الإجماع على عدالتهم .
و كانت بداية الكذب في خلافة عثمان رضي الله عنه في الحقبة المعروفة بالفتنة الكبرى ، حيث ثم فيها كتابة الكتب و نسبتها للخليفة رضي الله عنه ، قال ابن سيرين : كَانُوا لَا يسْأَلُون عَن الْإِسْنَاد فَلَمَّا وَقعت الْفِتْنَة قَالُوا سموا لنا رجالكم فَينْظر إِلَى أهل السّنة فَيُؤْخَذ عَنْهُم وَإِلَى أهل الْبدع فَلَا يُؤْخَذ عَنْهُم .
ومن أسباب الوضع : الزندقة و الخلافات السياسية ، التعصب للجنس والمكان ، الخلافات الكلامية والفقهية ، قصد استهواء العامة ، قصد ترغيب الناس في فعل الخير . 
وإليكم ما جاء في كتاب "الوسيط في علوم ومصطلح الحديث" محمد أبو شُهبة بتصرف يسير ، قال رحمه الله : 
1 - الزندقة: ذلك أنه كانت هناك فئة أسلمت لم تؤمن إيمانا حقا بالإسلام لكنها آمنت بسلطانه ورأت أن لا سبيل لنيل الجاه والسلطان إلا به فاعتنقته ظاهرا وظلت تخلص لدينها القديم ومن هؤلاء قوم كان لهم غرض أدق وأعمق من هذا, فقد رأوا أنهم لا يستطيعون إفساد العقيدة الإسلامية إلا بالانتساب إليها أولا حتى يؤمن جانبهم وبذلك يسهل على النفوس الأخذ بقولهم ومن هؤلاء من بالغ في التلبيس، فانتسب إلى التشيع وحب آل البيت، وبذلك وجدوا تربة خصبة لنفث سمومهم وإلقاء ترهاتهم وتقبل ذلك منهم اغترارا بظاهرهم, وقد اتخذوا من الوسائل لذلك وضع الأحاديث فوضعوا أحاديث يخالفها المحسوس أو يناقضها المعقول أو تشهد أذواق الحكماء بسخافتها وإسفافها, وإنما ينصبون المكيدة لضعفاء الأحلام وأرقاء الدين حتى يقعوا في شك وريبة فتتزلزل من نفوسهم عقيدة أن الإسلام تنزيل من حكيم عليم وذلك، مثل ما روي: "إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل وأجراها فعرفت فخلق نفسه منها", قال ابن عساكر: هذا موضوع وضعه بعض الزنادقة ليشنع به على أهل الحديث في روايتهم المستحيل وهو ما يقطع ببطلانه عقلا وشرعا، ومن ذلك أيضا أحاديث لا تتفق والحقائق العلمية مثل: "الباذنجان شفاء من كل داء" أو فيها دعوى إلى الإباحية مثل: "النظر إلى الوجه الجميل عبادة" وهذه وأمثالها مما لا يصدر قطعا عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم.
2- الخلافات السياسية: فالخلاف بين الشيعة والخوارج وبين الشيعة والعثمانية وبينهم وبين الأمويين والعباسيين، وبين الخوارج والأمويين كل ذلك كان من أسباب الوضع في الحديث، قال حماد بن سلمة: "حدثني شيخ لهم -يعني الرافضة - قال: كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا، وقال مسيح بن الجهم التابعي: "كان رجل منا في الأهواء مدة ثم صار إلى الجماعة فقال لنا: أنشدكم الله ألا تسمعوا من أحد من أهل الأهواء فإنا كنا نروي لكم الباطل ونحتسب الخير في إضلالكم.
3- التعصب للجنس والمكان: فوضعت أحاديث في تفضيل بعض القبائل على بعض وبعض الأجناس على بعض، وقد كان للشعوبية أثرها في هذا الباب فوضعوا أحاديث في مدح فارس واللغة الفارسية مثل ما روي زورا: "إن الله إذا غضب أنزل الوحي بالعربية, وإذا رضي أنزل الوحي بالفارسية" كما وضعت الأحاديث في فضل العرب والعربية وذم الفارسية ومن ذلك ما وضع في فضائل بعض المدن وذم بعضها، وقد أسرف الوضاعون في هذا الباب . فلا تغتر بما يوجد في بعض كتب التاريخ من ذكر فضائل الشعوب والبلدان ومثالها فإن معظم ذلك مما لا يثبت.
4- الخلافات الكلامية والفقهية: فقد انقسم علماء الأمة إلى أهل سنة، ومعتزلة وجبرية، ومرجئة، واختلفوا في كثير من مسائل الكلام وفي الإيمان, وهل هو يزيد وينقص؟ وهل هو قول وعمل؟ وفي القرآن أهو مخلوق أم لا؟
وقد استباح بعض هؤلاء لأنفسهم أن يؤيدوا آراءهم بأحاديث يختلقونها تنص على الخلافات الدقيقة والآراء المستحدثة التي ليس من شأن الرسول الكريم التعرض لها, ولا كانت البيئة يومئذ تدعو إليها مما يقطع معه المتأمل أنها كذب لا شك فيه, وذلك مثل ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ومثل ما روي زورا: "كما لا ينفع مع الشرك شيء كذلك لا يضر مع الإيمان شيء", وإن أصبع الإرجاء لظاهرة في وضعه.
وكذلك كانت الخلافات الفقهية من أسباب الوضع فوضعت أحاديث تشهد لبعض الفروع ليس عليها من نور النبوة شيء, وإنما هي أقرب إلى قواعد الفقهاء وكلام العلماء كما وضعت أحاديث في فضل بعض الأئمة وذم بعضهم مثل ما روي كذبا: "سيكون من أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي وسيكون من أمتي رجل يقال له ابن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس", ولا يشك مبتدئ في علم الحديث أن هذا موضوع مختلق فقبح الله واضعه، والإمام الشافعي من أعلام الإسلام دينا وعلما، وعملا وفقها وخلقا.
5- قصد استهواء العامة: ومن هؤلاء الذين قصدوا هذا القصاصون ومن هؤلاء من كان يبتغي الشهرة والجاه، ومنهم من كان يقصد التعيش والارتزاق، وقد كان القصاص في عهد الصحابة والخلافة الرشيدة يتحرون الصدق والحق. روى ابن عساكر أن تميما الداري لما استأذن عمر رضي الله عنه في أن يقص في المسجد قال له: ما تقول؟ قال: "أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر", ولكن لم يلبث الأمر على ذلك طويلا، فقد وجدت فئة من القصاص كان همها استمالة العامة بالمناكير والغرائب والأباطيل، وعن طريق هؤلاء أيضا دخلت على الإسلام إسرائيليات كثيرة.....
6- قصد ترغيب الناس في فعل الخير: وممن كان يفعل ذلك قوم من جهلة الزهاد والمتصوفة استجازوا لأنفسهم الوضع في الترغيب والترهيب واحتسبوا الخير في الإضلال وهؤلاء أعظم الناس ضررا، ومن مزاعمهم الباطلة في هذا أن هذا كذب له لا كذب عليه، وهو جهل منهم باللغة العربية وحقيقة الكذب ، فكل ذلك كذب عليه، وقد تنبه الأئمة النقاد إلى هؤلاء وأمثالهم فلم يأخذوا عنهم, بل حذروا الناس من جهلهم وغفلتهم كما بينا في مبحث الرواية.
ومن أمثلة ما وضع حسبة حديث عكرمة عن ابن عباس في فضائل سور القرآن، سئل عنه واضعه نوح بن أبي مريم فقال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة!
وروى ابن حبان في "الضعفاء" عن ابن مهدي قال: قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟. قال: وضعتها أرغب الناس فيها، وكان غلاما جليلا يتزهد ويهجر شهوات الدنيا، وغلقت أسواق بغداد لموته، ومع ذلك كان يضع الحديث2.
7- اتباع هوى الملوك والأمراء: فيضع الواحد حديثا لتبرير ما يفعلون. ومن أمثلة ذلك ما روي عن غياث بن إبراهيم أنه دخل على المهدي وهو يلعب بالحمام فروى له عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في نصل أو حافر أو جناح" فزاد في الحديث "أو جناح" إرضاء للمهدي, وقد روي أنه قال له وهو خارج: أشهد أن قفاك قفا كذاب وأمر بذبح الحمام، وأما أصل الحديث فثابت من رواية أحمد وأصحاب السنن
"الوضاعون":
الوضاعون أصناف متعددة فمنهم زنادقة، ومنهم أصحاب أهواء كالشيعة والخوارج، ومنهم قصاصون كأبي سعيد المدائني، وزرعة القاضي، كان بالكوفة على عهد الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- ومنهم متزلفون للحكام، ومنهم متصوفة، كما ذكرنا في الفصل السابق,
والوضاعون منهم كان ساذجا، يضع أشياء إذا سمعها المبتدئ في صنعة الحديث أدرك وضعها، ومنهم من كان خبيثا ماكرا أحكم الكذب، وأجار الدس بحيث لا يعرف وضعه إلا الجهابذة النقاد الذين تمرسوا في النقد، ولعل هذا هو بعض أسباب اختلاف الحفاظ في أحاديث بالحكم عليها بالوضع وعدمه, فقد يخفى على أحدهم ما لا يخفى على الآخر وإليك بعضهم:
1- أبان بن جعفر النميري: قال ابن حبان: وضع على أبي حنيفة أكثر من ثلاثمائة حديث.
2 أحمد بن الصلت الحماني: قال ابن عدي: ما رأيت في الكذابين أقل حياء منه.
3- أحمد بن عبد الله الجويباري: وضع أحاديث تشهد للكرامية1 يضرب المثل بكذبه.
4- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة هو الذي صنعها.
5- عبد القدوس بن حبيب عن عكرمة: قال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات.
6- محمد بن الحجاج اللخمي: وهو واضع حديث: "الهريسة تشد الظهر".
7- محمد بن شجاع الثلجي: كان يضع الأحاديث في التشبيه وينسبها إلى أهل الحديث يثلبهم بها.
8- محمد بن مروان السدي الصغير: معروف بالوضع في التفسير أما السدي الكبير فثقة.
9- نوح بن أبي مريم: قيل: إنه كان جامعا لكل شيء إلا الصدق وهو واضع حديث فضائل السور.
10- وهب بن وهب القاضي: وهو الذي وضع للرشيد حديث: إن النبي كان يطير الحمام.
11- رتن الهندي كذاب دجال ظهر بعد الستمائة ببلاد الهند وادعى السماع من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولرتن هذا نسخة موضوعة, وقد تشكك الإمام الذهبي في وجود رتن هذا ورجح أنه شخصية خيالية وهو ما أميل إليه, والظاهر أن بعض الكذابين اتخذ من اسمه وسيلة لنشر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

جميع الحقوق محفوظه © الدراسات الإسلامية